تتناول هذه الدراسة العلاقة بين فكرَي هنري كوربان ومارتن هايدغر بهدف تبيين أسباب تحوّل كوربان من العينية البحتة للفينومينولوجيا التأويلية، كما اكتشفها عند فيلسوف مسكيرش، إلى فكر التصوف والفلسفة الإسلامية. نكشف في دراستنا هذه أن كوربان لم يرفض هايدغر نهائيًا، بل إنه لم يعتبر أيًّا من مقولاته خاطئة، كما لم يترك فكره صحبة فكر هايدغر. احتفظ كوربان بمكتسبات هايدغر الخاصة بالعينية، واعتمد اعتمادًا شبه دائم على منهجيته الفينومينولوجية، ولكنه وجد حدًّا لفكر هايدغر كان عليه أن يتجاوزه، مع الاحتفاظ بمنهج الكشف الفينومينولوجي. سنبين في هذه الدراسة أن هذا الحد هو توصيف الموت ومعناه، وأن الفاصل بين المفكرَين، على مختلف أوجه فكرَيهما، هو اللامتناهي كما درسه وفهمه وطور تأويله كوربان في قراءته نصوص الفلسفة الإسلامية؛ وبالفعل، ما إن نضع اللامتناهي مفهومًا تفسيريًا حتى يتضح الجامع والفاصل بين هايدغر وكوربان، على مستويات أساسية، هي اللغة والإنسان، والموت، والإلهي، والعالم، والتاريخ، ويحصل تحول مدهش من كون الفينومينولوجيا العينية مفتاح النصوص الصوفية إلى كون اللامتناهي التأويلي بذاته مفتاح الفينومينولوجيا.