تحفر هذه الورقة في الطبقات التاريخية والفلسفية-السياسية التي ساهمت في بناء مفهوم التسامح في السياق الغربي، من دون أن تخوض في المعضلات والمخاطر التي تستدعيه في العالم العربي. وهي تتقصّى الجذر اللاهوتي لمفهوم التسامح عند أُغسطين الذي نقله عنه مارتن لوثر، ومفاده الصبر على المارقين من الدّين وانتظار عودتهم إلى جادة الصواب والدّين الحقّ. كما تتقصى بداية تبلور المفهوم في سياقات مختلفة –مرسوم نانت في فرنسا، ومعاهدة الديانة في الأراضي الواطئة، وإعلان التسامح في إنكلترا- كانت مقدمات وإرهاصات لميلاد فكرة التسامح الديني والعقيدي والبداية الفعلية للفصل بين الدائرة العمومية والدائرة الخصوصية، وذلك قبل الانتقال إلى المفهوم ذو الأصول سياسية وفلسفية مع فلاسفة القرن الثامن عشر، خاصةً جون لوك في رسالة في التسامح، حيث جرى الصَّوغ العلماني لمفهوم التسامح في علاقة وثيقة بالمذهب الليبرالي: الفصل بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية؛ حيادية الدولة تجاه المعتقدات؛ تصوّر فضاء محايد لا يخضع لتدخّل الدّين والمعتقد، هو فضاء الحرية.