يُعتبر التاريخ البشري من المجالات التي تثير الإشكالات أكثر مما تقدم الإجابات، نظرًا إلى طبيعة موضوعه والمناهج المستخدمة في دراسة مكوناته؛ فكلما عاد الباحث إلى الوقائع التاريخية – وهو يطمح إلى إنتاج معرفة علمية ويطمع في الرقي بنتائج بحثه في التاريخ إلى مستوى عال من الدقة والصرامة- وجد نفسه أمام لحظات متعددة منفلتة من كل إمكانية للتوصل إلى مفاهيم عامة ومجردة، لأنها لا تسمح لكل من يقترب منها سوى بأن يقاربها بكيفية «تلائمها » وتصون «حرمتها »، من دون أن يجردها من خصوصيتها أو «حريتها »ويضعها في قوالب نهائية ومطلقة، الأمر الذي يجعل الباحث، في هذا المجال، يقف أمام مفارقات عديدة، من بينها مفارقة متعلقة بدرجة علمية التاريخ ومدى حضور الحتمية والحرية فيه؛ إذ كيف يمكن الجمع بين حرية الإنسان والطموح إلى التوصل إلى الدقة في مجال التاريخ؟ هل إقرار الحرية وإثباتها في التاريخ يحولان فعلً دون بلوغ المعرفة التاريخية مرتبة العلم؟