تتناول هذه الدراسة فلسفة القانون عند هيغل، وتهتمّ بإشكالية العلاقة بين الحرية والقانون عنده. فمعروفٌ أن هيغل أنتج تصوّرًا مختلفًا للقانون، متميّزًا من التصوّرات التي أنتجتها الفلسفة السياسية الحديثة في مسائل متعددة؛ من بينها نهتمّ بمسألتين مترابطتين؛ تتعلق أولاهما بمصدر القانون، وثانيتهما بالعلاقة بين القانون والحرية. لا يتأسس القانون على الحق الطبيعي عند هيغل، فالطبيعة غير وهّابةٍ للحقوق. وواهبُ الحقوق هو العقل الموضوعي، وليست الشرائع والدساتير المختلفة سوى تمظهراتٍ لنشاط العقل عبر التاريخ، يعني هذا أن القانون ليس تنظيرًا من اجتهاد عقلٍ بشري فردي، بل هو تشريعاتٌ وضعيّة مستنبطة من العقل الكلّي. وهذا العقل ليس عقلًا بشريًّا فرديًّا، حتى نتّهم تشريعه بالاستبداد، بل هو عقلٌ كلّي، بمعنى الكلّية في جدل هيغل؛ باعتبارها لحظة تركيبٍ ينتفي فيها التناقض بين الذوات الجزئية. العقل الكلّي عنده موجود، والشاهد على وجوده نشاطه عبر التاريخ. وهو ليس عدوًّا لعقولنا الجزئية، بل هو تعبير عنها في صورة أكبر: صورة تاريخ العقل في كلّيته. لذلك، ليست القوانين التي ينتجها العقل معادية لحريات الأفراد، بل هي تجسيد لتلك الحريات. كل تناقض بين الحرية والقانون هو عند هيغل، في جوهره، تناقض بين الكلّية والجزئية. ومن أهم الفلسفات التي تعبّر عن التناقض بين الكلّي والجزئي فلسفة كانط. وقد تمظهر ذاك التناقض في تصوّره للعلاقة بين الحرية والقانون.