برزت، ضمن الجدل الدائر بشأن الديمقراطية التداولية، على نحو خاص، أطروحات
يورغن هابرماس؛ لكونها قدحت النظر في هذا الشكل الجديد للممارسة الديمقراطية فحسب،
وكذلك من حيث الصعوبات التي تحفّ بها والنقاش الذي أثارته في الفكر الفلسفي
السياسي المعاصر. تدفع أهمية التصور الهابرماسي ومحوريته إلى تدقيق النظر في الحجة
التي قام عليها، ومفهوم التداول الذي يتأسس عليه برهان تظهر وجاهته باستجلاء
الصعوبات التي يثيرها. من المهم النظر في محتوى هذا التصور وفي حدوده، لبناء تقييم
موضوعي له: فهل قدّم هابرماس تصورًا للديمقراطية التداولية يمكنه أن يمثل بديلًا
موثوقًا لتجاوز النموذج التمثيلي؟ أم أن المقاربة التداولية للممارسة الديمقراطية
في صيغتها الهابرماسية تطرح صعوبات أكثر من الحلول التي تقترحها؟ ولماذا انتهى
المسار الذي يراهن على الإجماع إلى صياغة تبرير فلسفي للعصيان المدني؟ لمحاولة
الإجابة عن هذه الأسئلة سنسعى في مرحلةٍ أولى إلى تبيّن ملامح هذا التصور بإيجاز ومن
ثم استكشاف الصعوبات التي تحفّ به، والتي تنتج من بنائه الحجاجي من جهة وفاعليته العملية
من جهة أخرى في محاولة لبناء تقييم موضوعي له.