مثلت المسألة الديمقراطية مشكلًا في الفلسفة السياسية الغربية عقب شبه التحرر الحديث من طغيان السلطة الكنسية على المجتمع. وعلى الرغم من تقريظ معظم السياسيين لها، فإن الفيلسوف فريدريك نيتشه توجه بالكثير من النقد لا إلى الديمقراطية وحسب، وإنما أيضًا وفي الأساس إلى جمهورها. فهذا الأخير هو القوت شبه الدائم للمخاتلين من الديمقراطيين الليبراليين. وعلامة ذلك التنويع المعقلَن والمخَلْقَن في كيفيات استمالة ضمائر العوام في الفترات الانتخابية. بناءً عليه، مثل النقد الفلسفي النيتشوي للديمقراطية سانحةَ إعادةِ قراءة الوضع السياسي للنظام الديمقراطي، انطلاقًا من مسألة أساسية في تفكير نيتشه: الناس معادن مختلفة والعدالة بينهم تناسبية بالكيف وليست مساواةً بالمقدار. ومن ثم، يكون القول الفلسفي في السياسة، على نحوٍ ما، هو عين القول في الإنسان فردًا وجماعةً. أما هيئة الدولة المعاصرة، فهي الاكتمال الطبيعي لما قامت عليه منذ عصر الحداثة، ودامت. لقد أُخضعت الدولة والسياسة إلى تهجين ديمقراطي. وعُدة هذا التهجين التقوّلُ في كبرى مقولات الفلاسفة والتحوير فيها جزافًا. ومن تلك المقولات: التنوير والتحرير والحقوق والفعل في التاريخ من خلال زمنه الراهن. ومع ذلك، لا يعترض نيتشه على حقوق الناس في العيش والحياة، وإنما يعترض فحسب على المساواة الديمقراطية والقانونية بين الناس جميعهم؛ لجهة اعتبارهم أهل مقدرة على التدبير السياسي. والواقع، أن عوام الناس هم المتواطئون، عن قصور وجبن وسذاجة، مع الساسة المنكلين بهم.