عنجهية السوق، أو تهديد قيم السوق لقيم المجتمع

​تبيّن هذه الورقة جانباً من النتائج الثقافية – الاجتماعية التي ترتبت على ما شهدته العقود الأخيرة من القرن العشرين، ولا سيما في التسعينات، مما اعتبر الانتصار النهائي للأفكار الاقتصادية الليبرالية المتطرفة التي تؤمن إيماناً عقائدياً بالقدرة الكلية لقوى السوق، وباعتبار تغليب هذه القوى على السياسات والمؤسسات الحاكمة للنشاط الاقتصادي هو منشأ الازدهار والبحبوحة الاقتصادية في الدول المتقدمة اقتصادياً، وهو مفتاح النموّ الاقتصادي السريع في الدول النامية والناشئة، وهو الكفيل بحلّ معظم إن لم يكن جميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلدان المأزومة بالمديونية وعجز الموارد. وهذه  النزعة القريبة من "الوثنية" في تقديس السوق لم تكتف بالترويج لدور السوق في علاقات إنتاج السلع والخدمات باعتبارها معطيات مستقلة، وإنما جعلت من "السوق" وما يتصل بها من حوافز الكسب المادي عاملاً يتدخل في صميم النشاط الانساني مما لا علاقة له أصلاً بإنتاج السلع والخدمات،  وذلك بالهبوط بنشاطات إنسانية اجتماعية في جوهرها من خلال "تسليعها"، أي تحويلها إلى سلع خاضعة لحوافز الكسب  المادي، الأمر الذي يخلّ بالطبيعة الأصلية لهذه النشاطات ويحيدها عن مقاصدها الاجتماعية الرفيعة بجعلها موضوعاً لمقايضات تجارية مبتذلة، متعدياً بذلك "الحدود الأخلاقية" لوظيفة السوق. في مقدمة من تصدوا لهذه الظاهرة أستاذ فلسفة الحكم وعلم الاجتماع في جامعة هارفرد: مايكل ساندل Michael Sandel   ، مثيراً في كتاباته مسألة "الحدود الأخلاقية" لوظيفة "السوق"، وما يسببه "الطمع في الربح" من عدوان على هذه الحدود، خالصاً إلى أن من الواجب ضبط دور السوق في المجتمع بحيث لا يتاح "لممارسات السوق" أن تنفذ من الحدود الأخلاقية للسوق إلى الفضاءات الاجتماعية خارج هذه الحدود، بما في ذلك  الاتجار والكسب الخاص من السلع العامة والمغالاة في وضع حوافز الربح في غير موضعها من النشاط الاجتماعي.

حمّل المادة حمّل العدد كاملا الإشتراك لمدة سنة

ملخص

زيادة حجم الخط

​تبيّن هذه الورقة جانباً من النتائج الثقافية – الاجتماعية التي ترتبت على ما شهدته العقود الأخيرة من القرن العشرين، ولا سيما في التسعينات، مما اعتبر الانتصار النهائي للأفكار الاقتصادية الليبرالية المتطرفة التي تؤمن إيماناً عقائدياً بالقدرة الكلية لقوى السوق، وباعتبار تغليب هذه القوى على السياسات والمؤسسات الحاكمة للنشاط الاقتصادي هو منشأ الازدهار والبحبوحة الاقتصادية في الدول المتقدمة اقتصادياً، وهو مفتاح النموّ الاقتصادي السريع في الدول النامية والناشئة، وهو الكفيل بحلّ معظم إن لم يكن جميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلدان المأزومة بالمديونية وعجز الموارد. وهذه  النزعة القريبة من "الوثنية" في تقديس السوق لم تكتف بالترويج لدور السوق في علاقات إنتاج السلع والخدمات باعتبارها معطيات مستقلة، وإنما جعلت من "السوق" وما يتصل بها من حوافز الكسب المادي عاملاً يتدخل في صميم النشاط الانساني مما لا علاقة له أصلاً بإنتاج السلع والخدمات،  وذلك بالهبوط بنشاطات إنسانية اجتماعية في جوهرها من خلال "تسليعها"، أي تحويلها إلى سلع خاضعة لحوافز الكسب  المادي، الأمر الذي يخلّ بالطبيعة الأصلية لهذه النشاطات ويحيدها عن مقاصدها الاجتماعية الرفيعة بجعلها موضوعاً لمقايضات تجارية مبتذلة، متعدياً بذلك "الحدود الأخلاقية" لوظيفة السوق. في مقدمة من تصدوا لهذه الظاهرة أستاذ فلسفة الحكم وعلم الاجتماع في جامعة هارفرد: مايكل ساندل Michael Sandel   ، مثيراً في كتاباته مسألة "الحدود الأخلاقية" لوظيفة "السوق"، وما يسببه "الطمع في الربح" من عدوان على هذه الحدود، خالصاً إلى أن من الواجب ضبط دور السوق في المجتمع بحيث لا يتاح "لممارسات السوق" أن تنفذ من الحدود الأخلاقية للسوق إلى الفضاءات الاجتماعية خارج هذه الحدود، بما في ذلك  الاتجار والكسب الخاص من السلع العامة والمغالاة في وضع حوافز الربح في غير موضعها من النشاط الاجتماعي.

المراجع