تهدف هذه الدراسة إلى سبر غور حقيقة مفهوم الحرية في العالم العربي المعاصر في ضوء مفهوم آخر، يؤدي دور الكاشف الكيميائي، وهو مفهوم العصبية، إذ نغدو أمام إشكالية معرفية تربط جدليًا بين الحرية السياسية والعصبية. فأيهما يتحكّم بالآخر ويُملي عليه قانونه عندنا؟ ،فيبدو لنا ظاهريًا أن مفهوم الحرية قائم بذاته ويفسّر نفسه بنفسه إلى حد بعيد، لكن الأبحاث السوسيولوجية بيّنت على الدوام مسألتين في العالم العربي: الأولى هي الارتباط المصيري لبنياتنا المعرفية بالعصبية مع تنوّعاتها المختلفة (الدينية والقبلية والمذهبية والإثنية والعائلية)؛ أما الثانية فطغيان الخيار العصباني على مجالات حياتنا اليومية والعملية كلها (في المجال السياسي والاقتصادي والتربوي والإعلامي). وكنتيجة لهذا الواقع، يتبيّن بوضوح أن لا مجال لتكامل طرائق التفكير العصباني الخاصة، مع مطلب الحرية، العمومي، إذ إن التربية العصبية والتنشئة الاجتماعية العصبية سرعان ما تخنق في المهد بذور الحرية. من هنا تبدو استحالة الحرية بمعناها العام في المجتمعات العصبانية.