يهدف ريتشارد رورتي في دراسته هذه إلى تبنّي أرضية تاريخية وسياسية لثقافة حقوق الإنسان، مستبعدا إمكانية تأسيسها فلسفيًا ونظريًا من خلال وجهتَي نظر أفلاطون وإيمانويل كانط العقلية والكونية. ويؤكد في الوقت نفسه بُعديها الزمني والاجتماعي في مقاربة الأحداث التاريخية وتطوّر التجارب الإنسانية، التي أفضت، عبر تراكماتها، إلى تبنّي ثقافة حقوقية لا تستند في كلّيتها إلى العقلانية، بل تُدرج ضمنها أيضًا جملة المشاعر. ومن ثمّ، تعدّ العواطف البشرية عنصرًا فاعلًا في الطبيعة الإنسانية وفق تصوّر ديفيد هيوم وما أكدته آنيت باير. إذًا، بين العقل والعاطفة، يتأرجح النقاش الفلسفي في نشأة ثقافة الغرب لحقوق الإنسان وتطوّرها. فرورتي لا يكترث كثيرًا في اتهامه بالنسبية واللاتأسيسية واللاعقلانية فيما يتعلق بتجذير ثقافة حقوق الإنسان. وينسجم فيلسوف البراغماتية الجديدة مع طرحه في استبدال الجانب النظري للفلسفة بآخر سردي روائي، وبالتجربة التي ترويها الصحافة والإعلام عمومًا، لينقل في تقاريره مأساة البشر بما يعزّز من تلقّيها بالتعاطف، وليس بالتعقل وحده، كما درج بعض الفلاسفة على تكريسها.