هل كان لدور المثقفين..... أي للمثقفين أنفسهم.... أن يبرزوا قبل اختراع الكتابة؟ بالكاد. كان ثمة وظيفة اجتماعية على الدوام للشامان والكهّان والمجوس أو لآخرين من خُدّام الشعائر أو ممارسيها. ويمكننا كذلك أن نفترض مثل هذه الوظيفة لأولئك الذين نسمّيهم اليوم فنانين. ولكن كيف نشأ المثقفون قبل اختراع نظام للكتابة والأرقام التي يمكن تحويرها وفهمها وتفسيرها وتعلّمها والحفاظ عليها؟ غير أن الأقليات الضئيلة الضليعة بهذه المهارات ربما مارست لبعض الوقت، وفور نشوء الأدوات الحديثة في مجال الاتصال والمحاسبة، والأهم من ذلك، الذاكرة، سلطة اجتماعية أكبر مما تمتّع به المثقفون منذئذٍ. فقد كان في وسع الضُلُع بالكتابة في أوائل المدن التي قامت في الاقتصادات الزراعية الأولى في بلاد ما بين النهرين أن يكونوا هم أوائل «الكهّان »، أي طبقة الحكّام الكهنوتيين. وحتى في غضون القرنين التاسع عشر والعشرين، كان احتكار معرفة القراءة والكتابة في أوساط المتعلمين، وما يستلزمه التمكّن منها من تعليم ضروري، ينطويان على استئثار بالسلطة، ويحميهما من المنافسة تعلّم لغاتٍ تخصصية مكتوبة تحتل مكانة مرموقة في المجالين الثقافي والطقوسي.