الفلسفة نقدٌ للغة؛ هذا ما يقره لودفيغ فتغنشتاين (1889-1951) في كتابه تحقيقات فلسفية، متبنيًا ما قاله فريتس ماوتنر (1849-1923)، ومعلنًا بذلك تأثره به. على قاعدة هذا المبدأ، أسس فتغنشتاين "نظرية معرفية" متكاملة، إلى درجة يمكن معها اعتبار تحقيقات فلسفية، من وجهة النظر هذه، نموذجًا لـ "نقد اللغة الخالص". فاللغة وسيلة المعرفة الأساسية لكونها شرط الإدراك وتكوُّن المعنى بالخطاب وفي الخطاب؛ إذ من البديهي أن "كل شيء يبتدئ في التصور مع اللغة وينتهي إليها في التواصل". ومن ثم، يبدو الإقرار بأننا عندما نتصور لغة، فنحن نتصور "شكلًا من أشكال الحياة" إقرارًا بديهيًا، على الرغم من أن الفلسفة غالبًا ما تتعامى عنه، كما يقول فتغنشتاين. ولما كان شكل الحياة في هذا المقام مرتبطًا بالمجتمع البشري، تختلف الألعاب اللغوية - باعتبارها الشكل المنطوق من أشكال الحياة - بحسب اختلاف الثقافات والطبائع والأزمنة والعلاقات الاجتماعية وقواعد التصرف عامة، فتكون "طريقة تصرف البشر النظامَ المرجعي الذي نؤول بواسطته لغة مجهولة لدينا". هكذا يقول فتغنشتاين الذي يلقي بنا في خضم التداولية اللسانية، حيث لا وجود لفهم متبادل خارج تجربة المجموعة اللغوية المتشكلة. لكن حتى لو نقلَنا فتغنشتاين من البحث عن جواب للسؤال: "ما المعنى؟" إلى جواب عن سؤال يبدو أشد بساطة: "أين يوجد المعنى؟"، فيضعه في سياق الاستعمال وفي تراكمه، تظل لهذه الأسئلة تداعيات مباشرة على الترجمة عامة وعلى ترجمتنا العربية لنص تحقيقات فلسفية على وجه الخصوص.